الجمعة 19 ذو القعدة 1441 هـ

الموافق 10 يوليو 2020 م

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الأولاد، وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب، ورغب في طريق الصلاح وحذّر من طرق الفساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً..

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله، اتقوا الله رحمَكم الله، وتأمَّلوا في الأحوال، وانظروا في العواقِب، فالسعيد من لازَم الطّاعةَ، وجدَّ في المحاسبة، ورفع أكُفَّ الضراعة، والعاجِزُ مَن ركِب سفينة التّسويف والتفريطِ والإضاعة، فالزَموا التقوَى والعملَ الصالح، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد أقام ديننا الإسلامي الحنيف، نظام الأسرة على أسس سليمة، تتفق مع ضروريات الحياة وحاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزةَ العائليةَ من الغرائزِ الذاتيةِ التي منحها الله تعالى للإنسان: يقول الله جل وعلا: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) وقد سعى الإسلامُ إلى جعلِ هذه الأسرةِ قدوةً حسنةً متماسكة، إنها نَواة المجتمعِ الصالح ولبِناتِه، وهو الوضع الفطري الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده، إنها المحضِن والتربيةُ، والبِناء والغرسُ، والنِتاج والمشاعر، والحبُ والحنانُ، والرحمة والتكافل، الطفل بدونِ أسرةٍ منبوذٌ وشاذ، لا تستطيعُ أيَّ مؤسسةٍ أن تَسُدَّ مسدّ الأسرة، ودورُ الرعايةِ حالاتٌ اضطراريةٌ لإيواءِ المبعدين والأيتام ومجهولين الوالدين وضحايا التفككِ الأسري.

أيها الوالدان  الكريمان: إن الناظر اليومَ إلى حال كثير من الأسر، يجد أنها تعيش في تعاسةٍ وشقاء؛ وهمٍّ وكدر وعناء، لابتعادها عن هدي الإسلام وتعاليمِ الشريعة، وتضييعها أمرَ الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلمَ، بل ووقوعها في كثير مما نهى الله عنه ورسولُه عليه الصلاة والسلام، فأصبح التمزقُ والتفككُ الأسريُ علامةً بارزةً من علامات المجتمع، وسمةً من سمات الأسر، والمتفحصُ لبواطنِ بعضِ الأسرِ، والغائصِ في أعماقها، والسابرِ حقيقتَها، يبدوا له من أول وهلة وإن كانت تعيش تحت سقفٍ واحد وبين جدرانٍ أربعةٍ، إلا أنها في حقيقتها متفككةٌ متمزقةٌ منهارة، كلُّ فرد من أفرادها يعيش في عالمه الخاص، له همومه وغمومه، ومشاغله ومشكلاته.. إن معرفةَ أحوالِ الأسرِ وسببِ انهيارها وتمزقِها من الأهمية بمكان أن يُطرح على الجميع، آباءً وأمهات، بنين وبنات، في وسائل التواصل المسموعة والمرئية والمقروءة لتفادي العواقب، وإصلاح ما خرِب، وبنيان ما أنهد، وسأعرض عليكم في هذه الخطبة بعضَ الأسباب التي تُساهم بشكل كبير في تفكيكِ أسر المسلمين، وتمزيقِ بيوتهم، بل وتساعد في هدم بنيانها، ونقض عروشها وكَيانها، لكي نتجنبها ونحذر منها.

عباد الله: إن على رأس هذه الأسباب: تضييعُ المسلمْ من يعول، فكثيرٌ من الأولياء مضيعون لأولادهم، مضيعون لبيوتهم، مضيعون لزوجاتهم، لا يقومون بالحق الذي عليهم؛ ترى الواحد منهم قد أسلم الأولاد للأم، ولا يأتي البيت إلا نادراً، منهمكٌ في مشاغله وأعماله، ينقلب في الصباح إلى ساعات العمل وفي المساء مع أصحابه وأقرانه، يأتي لأكله وشربه وثوبه، يخرج من بيته وكأنه خارج من بيت جاره، لا يعنيه من في البيت، بنت محتاجة، أو زوجة مضطرة، أو ولد مريض و (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ) وربما تشترك الأم مع الأب في هذا الإهمال، زيارات وسهرات وتتبع للأزياء والموضات وتضييع للبنين والبنات، والقائم بأمور البيتِ والأولاد السائقُ والخادمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)

أيها المؤمنون: ومن الأسباب التي تهدم الأسر: كثرةُ الطلاق، فالتسرعُ في الطلاق وكثرتِه لأتفه الأسباب مما يهدم بنيان الأسر، وهذه المادياتُ البحتةُ والمشكلاتُ التافهة والشجار المستمر البغيضُ، ساعد على كثرته ورواجه بين الأزواج، والنتيجة: انهيار الأسرةِ وتشردُ الأولاد، وضياع مستقبلهم، وإهمال تربيتهم، فهم إما مع الأب أو الأم، فلا يرون أباهم أو لا يرون أمهم، أو هم متوزعون بينهما، وهذا يؤجج البعضَ على البعض والله المستعان.

ومن الأسباب التي تهدم الأسر أيضاً: فشو المخدراتِ في المجتمع، فهذا الداءُ الوبيلُ والمرض الخطيرُ الذي يلتهم شبابَنا كل يوم، فيحطم أجسادهم، ويهدم حياتهم، مخدرات روجها الأعداء، وشبابٌ لم يتربوا التربية السليمة، ولم ينشئوا النشأة الواعية، أضف إلى ذلك: بطالةٌ محكمةٌ تدفع الكثيرَ منهم في أحايين كثيرة إلى الاتجار بهذه المخدرات للحصول على الأموال، ثم هذه النشوةُ واللذةُ الموهومةُ التي يحسون بها، لأجل أن يغيبوا عن الواقع من كثرةِ المشاكل الأسريةِ والإهمال الموجودان على أرض الواقع، إضافةً إلى غياب وعي الآباء عن أبنائهم وعدمِ مراقبتهم، ومعرفةِ أقرانهم ومع من يصحبون ويركبون ويأكلون، وغشيانِ البيوت من غير رقيب ولا حسيب، ثم ماذا: بيتٌ فيه بناتٌ مستضعفات يغلقن على أنفسهن ليلاً، ولا يخرجن إلا بعد النظر من ثقب الباب، خشيةً من هذا العربيد الذي لا شعور له أن يتحول إلى وحش كاسر بعد تعاطيه لهذه المخدرات، وكم سمعنا من قصص يندى لها جبين الغيور المسلم إنها نذير شؤم على الأسر ومعول هدم يفتك بالمجتمع. أيها المسلمون: ومن الأسباب التي تهدم الأسر أيضاً: فقدان العاطفة في المنزل، فلا  يوجد  حنانٌ ولا مشاعرُ صادقة في البيت، إنما هي أوامر ونواهي، زجر وعقوبات، ضرب من هنا وتوبيخ من هناك، تنفيذ فوري خشية العقوبة، عيش بلا رحمة ولا شفقة. إن من البديهي -أيها الآباء- أن الأبناء يحتاجون في مراحلهم المختلفة إلى الأمان النفسي وتهيئةِ الجو الذي يحوي المشاعر الصادقةَ ويستوعبُ حاجتهم؛ لأن طبيعتَهم المجبولةَ على الرحمة والتراحم يجعلهم يتلمسون العاطفةَ والحبَّ من أبائهم، لكنْ واقعُ كثير من الأسر يشير إلى غياب هذه الروح في كثير من البيوت اليوم، لقد بات مألوفاً أن تجد أبناء وبنات يعيشون في بيوت مظلمةٍ لا يرون الابتسامة ولا يسمعون الكلمة المحببة، وبنات معزولات عن آبائهن وأمهاتهن تتمنى الواحدةُ منهن أن تسمع كلماتْ الثناء والحنان والعطف ولين النفس، لقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلمَ يفرح بقدوم ابنته فاطمة رضي الله عنها، بل كان يقوم لأجلها ويقول: (مرحباً بابنتي). ويقبلها ويجلسها عن يمينه، وربما بسط لها ثوبه. لقد كشفت دراسةٌ ميدانية أجريت على عدد من السجناء في إحدى الدول أن الحرمان العاطفي هو السبب الرئيس لوقوع الأبناء في الجريمة، ولا سيما في ظل تدهور المناخ الأسري وضعفِ العلاقات الأسرية.

وأكدت الدراسةُ أن اتجاهات الوالدين تؤثر في شخصيةِ الأبناء تأثيراً بالغاً، فالاتجاهات المُشْبَعةُ بالحب والقبولِ والثقة تمنحهم الأمان العاطفيَ والاستقرارَ النفسي، في حينِ أن الاتجاهات الجافة عاطفياً والسلوكيات المترتبة عليها قد تدفعهم إلى عالمِ الجريمة والانحراف لا قدر الله، ثم لا تسل بعد ذلك عن ضياع الأبناء والبنات في ظل انفتاح الإعلام وغزوه على شتى الطرق، وتأثيره على عقولهم ونفوسهم، هواتفُ مدعومةٌ بكل ما يهدم في الغالب من تقنية فائقة، قنواتٌ وانترنت، غزل ومعاكسات، مجلات وأفلام، انحراف في الأخلاق، وانجراف إلى الفساد والضياع، سببه فراغ عاطفي مُلئ من خارج الأسرة، كان الأولى أن يتدفق من داخلها وتحت ظل الزوجين الأب والأم.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الأسباب التي تهدم الأسر أيضاً: وجودُ بعض القنوات الفضائية المنحرفة، وبروزها في البيت على مصراعيها من غير ضابط ولا مراقبة لتُعرض أمام الأبناء والبنات بسمومها ومجونها وأفلامها وخلاعتها وترويج انحرافاتها الشاذة، رقص وغناء، مجون وعهر وعري، تقبيل وضم، تكسر وتثني وتغنج، قنوات تعرض السحر والشعوذة، وأخرى تعرض الفتيات الكاسيات العاريات، يسيل منها لعاب العجوز الهرم لو رآها، فكيف بشاب وفتاة في ريعان شبابهما؟ فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله…

عباد الله: ومن أهم ما يكون سبباً في تفكك الأسر وانفراط عقدها وانهيار بنيانها: سوءُ تربيةِ الأولاد، بل انعدامها بالكلية، فإن الله تعالى امتن علينا بنعمة الذرّية، وحذّرنا من الافتتان بها، فقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) ولذلك فإن من حقّ أهلينا علينا، وتمامِ رعايتنا لهم، تربيتُهم التربيةَ الإسلاميةَ المحمدية، ولأداء أمانةِ الرعاية فلا بدّ للأبوين من الحرص والعملِ على تعليم الأبناء وتربيتهم، ولا يفوتهما أنهما محاسبان على التهاون والتقصير في ذلك. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

وينشَأُ ناشِئُ الفِتيان منَّا

على ما كانَ عوَّدَه أبُوه

وحدّث ولا حرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلمَ في التربية، لتر مدرسةً متكاملة المناهج، راسخة الأصول، يانعة الثمار، وافرة الظلال في التربية والتنشئة الصالحة، فالله الله في التربية الحسنة، ربوا الأبناء والبنات اليوم لتُخدموا غداً بإذن الله تعالى.

فَمَنْ زَرَعَ الحُبُوبَ وَمَا سَقَاهَا

تَأَوَّهَ نَادِماً يَوْمَ الحَصَادِ

عباد الله: إن هذه البيوت التي نعيش فيها أمانة في أعناقنا والكثير من الآباء والأمهات اليوم أضاعوا هذه الولاية والأمانة، فكم من بيوت تفككت، وأسر تفرقت، ومجتمعات تمزقت، وأبناء شقوا، وبنات تمردن، ورجال وُضعوا في دور العجزة، وسار كثير من أبناء المسلمين خلف ركب الأعداء، فهل من عقلاء يعودون عودة صادقة إلى الله لكي ينظروا إلى هذا الشتات، ولتسألُن يومئذٍ عما استودعتموه من هذه الأمانات التي وضعها الله بين أيديكم وفي رقابكم؛ في يومٍ لا ينفع فيه مَالٌ وَلَا بَنُونَ: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) اللهم أصلح أحوالنا، وأولادنا وبناتنا، واجعل أسرنا مستقيمة على تعاليم دينك  وهدي نبيك وشرعك يا رب العالمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الكريم الرازق ، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، ويمتحن العباد بالمال والأولاد ، سبحانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم، نحمده ونشكره على نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن من أسباب تفكك الأسر وتمزقها أيضاً: تضييع الأهل والأولاد، وعدم الإنفاق عليهم مما يضطرهم للخروج خارج البيت، وخروجُ النسوة بالذات خارجَ البيت يفضي إلى أنواعٍ من المفاسد لا يعلمها إلا الله، وبعض هذا يكون بسبب بُخل القائم على أمر البيت، وكم حدثتنا القصص الواقعية عن فتياتٍ ارتكبن الفواحش عياذاً بالله، لتحصيل الأموال وربما لا يكون الغرض هو الوقوع في الفاحشة، وقل مثل ذلك في أنواع الخيانات الأخرى والله المستعان… عباد الله: ومن الأسباب أيضاً: نشر الأسرار الزوجية، وهتك أسرار البيوت، ولذلك فإن كثيراً من الذين لا يخافون الله يحدثون بما في داخل بيوتهم من أنواع الأسرار التي لا يجوز أن تُخرج وتُفشى؛ من قلة الحياء وانعدام الغيرة، وغير ذلك من التساهل، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلمَ أصحابه من هذا فقال: (هلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ: ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا: فَسَكَتُوا، ثم أَقْبَلَ رسول الله عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ فَسَكَتْنَ! فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلَامَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟ إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ، لَقِيَتْ شَيْطَاناً فِي السِّكَّةِ، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ) وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ من أشَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا)… ومن أسباب انهيار الأسر: سوءُ الخلق الذي يولد الفحش والبذاءة، والاعتداء والضرب والتوحش، فهذا رجلٌ يضرب زوجته أمام أولادها، وآخر يدعوا على ابنته وأمها بالسرطان والشلل، وثالث يقذف زوجته بالزنا، إن هذا التوحش والتنمر المتولد من سوء الخلق يؤدي إلى أمورٍ عجيبة لا تحمد عقباها؛ وهذه نتيجةٌ طبيعية للابتعاد عن شرع الله، والتجاوز لحدود الله، وعدم التخلق بأخلاق الإسلام، فإن النفس إذا نُزع منها الدين، تحولت إلى وحشٍ كاسر والعياذ بالله.

أيها المسلمون: بيوتكم بيوتكم! وأُسَرَكُم أسركم! اتقوا الله فيها، واحذروا غضب الله، ولا شك عباد الله فإنه -ولله الحمد- يوجد عددٌ كبيرٌ من البيوت مستقيمة ملتزمة بتعاليم دينها، بيوت طيبة طاهرة عفيفة، لكن الطيب مختلط بالخبيث، والمجتمع واحد والعمارات متجاورة، والبيوت متلاصقة، والشوارع والمدارس واحدة، إننا نتعامل مع بعضنا يومياً، الموظفون يختلطون ببعضهم، والناس لا يعيشون في فرقة، وإنما يعيشون مع بعضهم، وربما يكتوي الإنسان بنار فتنة جاره. فعليكم بإصلاح بيوتكم، قوموا لله تعالى فيها بالواجب، ارعوها حق رعايتها، حافظوا عليها حفاظكم على أجسادكم وأموالكم.

اللهم طهر بيوتنا من المنكرات، اللهم ارزقنا الوقوف عند حدودك وجنبنا الحرام، اللهم ارزقنا حسن الخلق، وحسن تربية الأولاد، اللهم ارزقنا البر بآبائنا وأمهاتنا.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) اللهم أمنن عليَّنا بصلاح أحوال أهلنا وأزواجنا وأولادنا وذرياتنا، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، ربنا اصرف عنهم السوء والفحشاء، واجعلهم من عبادك المخلصين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمِنَّا في وطننا وفي خليجنا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين..

اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا، والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ، وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ، عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ. اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والطبي والعسكري والأمني والإعلامي والتطوعي،  وأَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه، وأحفظ بلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمع من الأوبئة وسيئ الأسقام، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وارحم المتوفين به، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين